فكر وثقافة وإيديولوجيا

كتاب مداريات حزينة – كلود ليفي شتراوس

كلود ليفي شتراوس نموذج من العلماء شبه فريد، رائد من روّاد البنيوية، دون أن يُختَزَل إلى ذلك، وأنتروبولوجي أعاد تأسيس علمه على قواعد جديدة، وفيلسوف لامع دون أن يدّعي ذلك، ومرجع في حقول معرفية متعددة، تتضمن الأدب والموسيقى وعلم النفس وعلم اللغة.. عقلاني وإنساني كبير، قلق يفسّر ويرفض ويجد الأسئلة منتهياً إلى “القلق الفاعل”، أو ما يمكن أن يدعى بذلك.

في كتابه هذا: “مداريات حزينة” يعطي شتراوس درساً نموذجياً في معنى العلم وأخلاقية المعرفة، حيث الاكتشاف العلمي يتأمل زمنه، ويوقظ في العالِم حلم التعرف على الأزمنة السحيقة. ولهذا، فإن شتراوس يرى في “المجتمع البدائي” موضوعاً رحباً للمعرفة، يطرح عليه أسئلة ويستولد منه أسئلته الخاصة به، متكئاً على مبدأ الاعتراف المتبادل، الذي يحرّض الإنسان على التعلّم من غيره وتعليمه في آن.

ولعل هذا المبدأ هو الذي يجعل شتراوس، في كتابه هذا وغيره، يؤمن بالتعددية الثقافية الإنسانية، ويرى في المتعدد الثقافي مبتدأ للإبداع والابتكار. وهو لا يفعل ذلك إلا بسبب إيمانه العميق بنسبية المعرفة، التي ترفض التعصب والإيمانية المغلقة، وتؤكد الحضارة الإنسانية أثراً لجهد جماعي إنساني، يتناتج منذ زمن سحيق. في “مداريات حزينة” يحاور عالم الأنتروبولوجيا ثقافة مغايرة، ويحاور حدود المعرفة، التي توقظ في الإنسان أكواناً غير مرئية، وتضع الإنسان المحدود في مواجهة أكوان لا تنتهي. ومع أن الكتاب يشير عادة إلى الرحلة العلمية ورومانسية المغامرة، فإنه، وكما يشهد الكثيرون، نص مدهش ينطوي على معرفة متعددة الأبعاد، ترضي عالم النفس واللغوي والأنتروبولوجي والشاعر، وترضي أولاً القارئ المتأمل الذي يرى في الأجزاء الصغيرة عوالم غامضة لا تخوم لها.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

للتحميل اضغط هنا

لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى