قصص عربية

كتاب ليثيوم – تميم هنيدي

حدث منذ عشرة أعوام أن كنتُ شاهداً على تغيّرٍ مفاجئ في حياة إحدى الصديقات. لاحظتُ ابتعادها، ثمّ انعزالها التام، فاختفاءها أسابيع طوال؛ ليصبح التواصل معها مستحيلاً بشتّى الوسائل. هكذا إذنْ ودون أي مقدّمات لم تعد موجودة في حياة الكثيرين. لم أفهم السبب، بالرغم من أنهم قالوا آنذاك إنه “اكتئابٌ حادّ”. لم يكن الاكتئاب في مفهومي الخاصّ سوى “مزاج سيّئ” قابل للسيطرة، فيما لو كان الشخص قوياً ومتماسكاً. انتظرتُها قليلاً، ثمّ مضيتُ دونما التفات إلى الوراء.

ابتعدتُ، وغرقتُ في صخب الحياة مجدّداً. علمتُ لاحقاً أنها تعاني ممّا يُعرف بـ “الاضطراب الوجداني ثنائي القطب” أو “Bi Polar Disorder”، وأذكر أنني أيضاً لم أكترث، فكان هذا الأخير مبهماً تماماً، بالنسبة لي، ولم أعرف إن كان هناك أساساً ما قد يبرّر اختفاءها الطويل الذي بدا، وكأنه لا يتعدّى الـ”مزاجية” واللامبالاة. مضتْ أعوام طوال حتّى اصطدمتُ بهذا المرض مجدّداً وجهاً لوجه، وبمحض الصدفة. وكان اللقاء الأخير هذا كافياً حتّى أغوص في أعماق هذا العالم المثير للاهتمام. بحذرٍ، بدأتُ أربط الخيوط بعضها البعض، وأكتشفُ خفايا هذا الاضطراب وتفاصيله، بكثيرٍ من الاهتمام. علمتُ حينها أن للمرض وجهاً آخر معاكساً تماماً للاكتئاب الذي عرفتُه سابقاً. وهكذا أصبح الاسم: “ثنائي القطب” أكثر منطقية، بالنسبة لي.


تُقابَل الأمراض النفسية بالتهميش الذي يصل في الكثير من الدول حدّ الإهمال الذي يُسقط عنها صفة المرض. فيما يذوق الكثير من المرضى النفسيين – في عالم جاهلٍ بحالتهم – أشدّ أنواع الألم؛ ابتداءً بعزلهم في ظروف لا إنسانية، ومروراً بضربهم بصورة مبرحة؛ ليصل سوء المعاملة حدّ الإعدام في حالاتٍ محدّدة. 

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

للتحميل اضغط هنا

لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى