روايات عربية

رواية دروب الفقدان – عبد الله صخي

رواية دروب الفقدات للكاتب عبدالله صخي والصادرة عن دار المدى الطبعة الاولى 2013 والتي تحتوي على 287صفحة، رواية واقعية، تنقل لنا بعدسة الكاتب صورة حية لمدينة الثورة، فيترجم قصة مدينة مهملة على الرغم من كونها تعتبر من ضمن العاصمة مدينة بغداد، تعيش اجوائها الخاصة واعرافها العشائرية وتجربتها بالهجرة من الجنوب ومن ثم الترحيل من خلف السدة بالرصافة والشاكرية في الكرخ الى المدينة التي أسسها عبدالكريم قاسم فأصبغ عليها تكوين أجتماعي معين شبه مغلق مقارب لما يعرف بالغوتا له طبيعته الاجتماعية التي تنفرد عن موطنها الاصلي الجنوب العمارة والناصرية والكوت المدن التي نزحوا منها بسبب ظروفهم الخاصة التي طبعت عليهم حياة وطبيعة مختلفة، لكنها لا تشبه باي شكل من الاشكال حياة المدينة التي قدموا اليها، فكونوا تاريخهم المشترك وعقائدهم وافكارهم السياسية المختلفة ، رحلة ينقلنا اليها الكاتب عبدالله صخي كي نكون على مقربة من آمال وتطلعات الطبقة المعدمة التي تعتبر القراءة والمطالعة قوتها اليوم فيكشف اسرارها، ويصف شوارعها وقطاعاتها ومقاهيها واسواقها ويتذكر شخوصها ويدخل في تفاصيل الحياة اليومية لهذه الشريحة وهو لا يخجل عن ذكر مثالبها وتقديم تفاصيل دقيقة لاعمال يمارسها اصحابها من السراق والخوشية لكننا نقف امام هذه الصور الواقعية موقف الحياد ولا نستطيع ادانتها بسهولة فهو يصف لنا ايضا خلفية هؤلاء الاشخاص ومعاناة شريحة مغيبة لعقود من الزمن يعيشون على اطراف مدينتنا لكننا نجهل مجاهلها هذه الواقعية بالسرد لا تشبة الواقعية الفرنسية ومن ثم الايطالية التي تصور الحياة تصويراً واقعيا دون اغراق في المثاليات او جنوح صوب الخيال لكنها مثأثرة بأدب امريكا اللاتينية فتسجل لنا بايقاع يومي حوادث المدينة من اعدامات وتوقيف وسجون وسقوط في المباديء لبعض شخوصها وتنتقل بالزمن بين الحاضر في مدينة الثورة والماضي خلف السدة واحيانا ينتقل بنا انتقالات سريعة مثل فلم سينمائي الى ما قبل الهجرة، فيميل الى كل ما هو تجريبي وذا طابع سياسي وبذلك يتناقض مع الواقعية الاوربية و يقترب من ادب الكاتب و الصحفي غابريل غاريسيا ماركيز هذا الاقتراب لايكون موازي لكتابات غابريل وان اقترب في بعض من ملامحه، فشخصية الام البطلة مكية الحسن وان اختلفت التفاصيل تقترب في شخصيتها الملحمية والبطولية من شخصية الام في رواية مكسيم غوركي الكاتب الروسي وكما يلمح لنا الكاتب ذاته هذا التقارب من خلال السرد في رواية دروب الفقدان

تبدأ الرواية بمشهد اعدام الخوشي نايف الساعدي والخوشي مصطلح محلي لمدينة الثورة يطلق على اشقياء المنطقة من العاطلين الذين يقدمون خدماتهم بعد ان يبدأوا كلامهم بعبارة ” آنة خوش ولد ” او ” احنة خوش ولد” وعند التقصي لما كتبه الكاتب الكبير عبدالله صخي اكتشفت ان كلمة الخوشي غير مرادفة حرفياً لمعنى كلمة الشقي البغدادي اذ يقول الكاتب في صفحة 19 عن نايف الساعدي ورفاقه ” انهم نبلاء ومتسولون، أوفياء، وغدارون، صالحون، وطالحون، يدافعون عن الشرف وينتهكونه، يمارسون قيم الفضيلة وينتصرون للرذيلة، يتطلعون الى الفرح بقوة وحين يأتي يحولونه الى مأتم، يستجيبون لنداءات بعضهم في لحظة صفاء نادر، وفي لحظات اخرى يمزقون اجساد اصدقائهم ومعارفهم بالسكاكين او يشلون اعضاءهم بالخناجر ” ثم يستطرد الكاتب في الصفحة ذاتها فيقول ” وإذا تكفلوا بالذود عن سكان مناطقهم عموما تبنى قسم منهم حماية الشيوعيين المطاردين ” من هنا يكون اعدام نايف الساعدي بسبب حمايته وتعاونه لتهريب امرأة شيوعية مطارة في سبعينيات القرن المنصرم وكما تبدأ الرواية باعدام نايف الساعدي تنتهي بموت البطلة كمدا وقهرا على ولدها علي سلمان المغيب في سجون السلطة، دورة موفقة للكاتب باستعمال حرفية الرواية الدائرية لهذا السرد الادبي . الرواية تسجل احداث مدينة الثورة وما جاورها من المدن بعد انهيار الجبهة الوطنية التي كانت قائمة بين حزب السلطة حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي وتتعرض بجرأة لماعاناة الفقراء والكادحين الذين رفضوا الانتماء لحزب البعث بسبب حبهم لمخلصهم الزعيم عبدالكريم قاسم فنرى الام تحتفظ بصورة الزعيم وتلفها بفوطة قديمة مع صورة لابنها التقطها له مصور جوال ووضعتها في صندوق عرسها ص 32 . لكن لا مجال للحياد مع سلطة غادرة تعتبر الغير منتمين شيوعين رغما عنهم، ص 202 يقول الراوي العليم “في نادي الجامعة سأله احد الطلاب المسؤولين بأستياء علي لماذا لا تنتمي الى الاتحاد الوطني ؟ فأجابه انه مستقل ويفضل ان يبقى هكذا فقال المسؤول الطلابي ” كل الشيوعيين يقولون انهم مستقلون

الرواية سياسية وبأمتياز وحقيقة الكاتب لم يلجأ الى الرمزية ابداً فهو يسطر ملحمة جماعية لفترة زمنية مقترنة بمكان محدد تتشعب فيه الاحداث والشخوص فينتقل بسرعة احيانا الى فصول ليعرفنا بشخصية اخرى تتعرض للاضطهاد وهو لا يتوانى في ان يسرد احداث سياسية تدعم فكرته، ومناصرته لتطلعات الفقراء كما حدث في الصفحة 238 فيقول ” في الثالث من تموز عام 1963قاد العريف حسن سريع حركة للاطاحة بسلطة البعثيين والقوميين الذين اسقطوا عبدالكريم قاسم واعدموه من دون محاكمة ” اذن الكاتب منجاز الى فكره منذ بداية الرواية لكنه لم يهمل الجانب الفني والتقني في البناء السردي بل اعطانا صور اجتماعية رائعة لطبيعة الحياة الاجتماعية التي تبدو للوهلة الاولى انها مغلقة لكنه يدخل في التفاصيل ليسرد علاقات عاطفية اكثر انفتاحا من المدينة ذاتها فيجعلنا نفهم طبيعة هذا المجتمع الذي يجمع الريف والمدينة في آن واحد، ص 150 يقول الكاتب عن لسان الراوي ” كن ينثرن شعورهن في الهواء فينهمر العبير ليستدل به العشاق على حبيباتهم اللواتي يضربن أضلعهن بسواعدهن والارض بأقدامهن وكان الشباب يقتربون منهن بأحتراس خشية ان يعترض عليهم آباء او أخوة أو ازواج، حين يشعرن أنهم أقتربوا كثيراً تطلق احداهن رسالة مقترنة برنين جرس نحاسي صغير يهتز بيدها: صويحبتك موش ويانة وتكمل مجموعة الفتيات: بذيج اللمة

هذه الصورة تجسيد لليلة عاشوراء في احدى زوايا القطاع المطلة على ساحة مدينة الثورة

الى ان يقول “وقد تنسحب احداهن خلسة وتدخل في ركن معتم لتجد نفسها في مواجهة حبيبها وهي تنز عرقا ورغبة فيضوع عطر الشعر السبط واذا يصلان الى الضفة الخطرة تنسحب،العاشقة الى مأوى الليل فيهيم الجوال في الطرقات من جديد” هل هناك اكثر روعة وجمالية لوصف الحياة الاجتماعية والطقوس الدينية المقترنة بالحب،وحده من عاش هناك يعرف متعتها ويرنو الى احاسيسها الشجية من غناء ريفي وولع بأهازيج ثورة العشرين وردات لطمية تعلو وتخبو على نبضات قلوب الفتيات والشباب المحروم من فرص الحياة لكنه مفعم بالحيوية يفهم الحياة على حقيقتها، ففي الوقت الذي يعمل فية علي سلمان ابن مكية الحسن البطلة عامل بناء يحاول اكمال دراسته الجامعية وممارسة هواية الغناء ومحاولة تعلم الموسيقى والبحث عن طرقها وآدابها، واخيراً الرواية مفعمة بمواقف الميلودراما القريبة من الفن السينمائي فيجعلنا الكاتب عبدالله صخي نبكي ونضحك في آن واحد او نضحك الى حد البكاء

22

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

للتحميل اضغط هنا

لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

 

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى